محسن حسني
سانتوس
الموهبة التي كادت أن تضيع بين الاهمال و النسيان
في أحد الأحياء الشعبية لمدينة كلميم حيث الأزقة ضيقة و المنازل متقاربة و حيث يلعب الأطفال في الشارع بأقدام حافية و قلوب مليئة بالحلم، وُلدت موهبة مختلفة لم يكن يملك شيئًا سوى كرة قديمة و حيّ فقير يعج بالحياة، لكنه كان يملك شيئًا لا يُشترى. الموهبة بالفطرة.
كان اسمه الحقيقي لا يُذكر كثيرًا لكن الجميع في الحي كانوا ينادونه بـ"سانتوس"، تشبها بأساطير البرازيل الذين عشقهم منذ الصغر. في كل مساء كان الحي يتحول إلى ملعب و الحائط إلى مرمى و الشارع إلى مدرجات تصفق له عند كل مراوغة وكل هدف.
الحي الذي نشأ فيه لم تكن فيه أكاديميات و لا مدربين و لا حتى ملاعب صالحة للعب، لكن فيه وُلد الإصرار و فيه صُقلت الموهبة على يد الحياة. سانتوس كان يصنع الفارق في كل مباراة يلعبها، حتى لو كانت بين فرق الاحياء المجاورة. كانت لديه رؤية في الملعب أكبر من عمره يراوغ بثقة و يمرر بدهاء و يُسجل و كأن الكرة تفهمه.
بدأت موهبة سانتوس تبرز منذ سن صغير، حين كان يلفت أنظار الجميع في بطولات الأحياء والشوارع. كثيرون شبّهوا طريقته باللعب بأساطير البرازيل، ولقّبوه بـ"سانتوس".
لكن ما ميّزه لم يكن فقط مهاراته، بل شغفه اللا محدود بكرة القدم. كان يتدرب بنفسه و يشاهد مقاطع اللاعبين الكبار و يقلدهم في الملعب بلمسة إبداعية خاصة.
الموهبة وحدها لا تكفي.
فرغم محاولاته المتكررة للالتحاق بأندية أو أكاديميات، اصطدم سانتوس بعقبات لا علاقة لها بالملعب كغياب الدعم و قلة الإمكانيات و بيئة لا تؤمن بضرورة صقل الموهبة. لم يجد مدربًا يؤمن به، ولم يصل إلى مسؤول يفتح له الباب.
قصته ليست نادرة، بل تتكرر في كثير من المجتمعات التي تفتقر لبرامج اكتشاف وتطوير المواهب. كثيرون مثل سانتوس يمتلكون الإمكانيات لكن لا يجدون من يرشدهم أو يستثمر فيهم.
إن قصة سانتوس تطرح اكتر من سؤال.
كم من المواهب خسرنا بسبب غياب الرعاية؟
وكم من النجوم غابوا قبل أن يلمعوا؟
سانتوس ليس مجرد اسم. بل هو رمز لكل حلمٍ لم يجد فرصة.
محسن من الظل الى التالق في الملاعب.
بعد سنوات من التهميش والتجاهل، وبعد أن كادت موهبته تضيع في زحام الحياة، أتى اليوم الذي انقشعت فيه الغمامة عن "سانتوس"، اللاعب الذي طالما سُمي بالموهبة المهدورة. فتحت له كرة القدم أبوابها لا بالحظ وحده بل بالصبر و الإصرار و بفضل عيون خبيرة آمنت بأن هذا الشاب يحمل في قدميه ما يكفي ليصنع الفارق.
بدأت القصة عندما شارك سانتوس في بطولة محلية نظمتها إحدى الأكاديميات الرياضية، وهناك لمع نجمه من جديد. راوغ و صنع و سجّل أهدافًا. لم يكن مجرد لاعب جيد بل كان مختلفًا. مدرب شاب تابع البطولة و لم يتردد في التواصل معه و كان أول من أعطاه فرصة حقيقية و تجربة أداء مع أحد أندية القسم الثاني [أمل گلميم].
إنطلاقة محسن الحقيقة.
انضم سانتوس إلى امل كلميم و هناك في أول موسم له فاجأ الجميع. ساهم في صناعة الاهدفً و سجل و أصبح حديث الجماهير. تمت مقارنته بلاعبين كبار، لا فقط من حيث المهارة بل من حيث الذكاء والهدوء في الملعب. لم يكن لاعب استعراض فقط بل لاعب حاسم.
بعد مواسم مع أمل كلميم قرر سانتوس خوض تجربة جديدة مع نادي أشبال الجزيرة العيون. اختار بحكمة أن ينتقل إلى نادٍ يملك مشروعًا واضحًا لتطوير الشباب. هناك انفجرت موهبته بشكل غير مسبوق. في موسم التألق.
لكن سانتوس لم يتغير. بقي ذلك الشاب المتواضع الذي يعرف جيدًا من أين أتى، و الذي لا ينسى أن كثيرين مثله ما زالوا ينتظرون فرصة. صار نموذجًا يُحتذى به و أصبح يتحدث كثيرًا عن ضرورة اكتشاف المواهب في الأحياء والمناطق الفقيرة، لأنه هو الدليل الحي على أن الموهبة قد تُدفن إن لم تجد من ينقذها.
قصة محسن حسني هي قصة أمل و تذكير بأن كل من يحمل حلماً لا بد أن يصل له إذا تمسك به.
شاركونا أرئكم في خانة التعليقات